جامعة عربية..؟؟ لن يكون ذلكبقلم: عاموس لفاف ترجمة: هشام الزعبي
عن صحيفة معاريف
دائرة العلاقات العامة
ثلاثة محاضرين أجانب، من الذين لم يسمح لهم بالتعلم في جامعةِ نابلس، يدّعون بأن إس ا رئيل معنية بطردهم،
حيث أنها تريد سكان المناطق المحتلة عمالاً، وليس أكاديميين، وهي تنوي بذلك السيطرة على الجامعات
وٕاضعافها.
طلاب ملثمون يقفون على سطح الجامعة، إطا ا رت مشتعلة... دخان كثيف، وقوى الأمن يطلقون الرصاص في
الهواء، "وطلاب يصابون بأرجلهم"، هذه صور حديثة، وكل هذا حدث منذ سنة أو سنتين، والسبب في ذلك ما
سأصوره الآن.
"إلى الجحيم!! الكل ي ا رنا كرجال المخاب ا رت، طوال القامة نضع نظا ا رت شمسية، ونسافر بسيا ا رت فورد اسكورت
بيضاء".
"ضع لافتة صحافة"، هكذا طلب مني المصور، وعليه فقد أخرجتُ اللافتة المكتوبة بالإنجليزية والعربية، والتي
كتبها لي احد الزملاء في احدي الج ا رئد العربية. وسرعان ما ظهر لنا بان هذه اللافتة لا تساوي الورقة التي
كتبت عليها، وبقيت نظ ا رتُ الشك تلاحقنا من كلِ جانب.
تعتبر الزيارة لجامعةِ النجاح بنابلس- التابعة لمنظمةِ التحرير الفلسطينية - كزيارةٍ للأسدِ في عرينه، ولكن
سرعان ما يتضح بأن هذا العرين يخرج منه هديل الحمام، ولكن هل هذا يمثل الواقع؟؟ قبل سنة أو سنتين
استطعنا دخول الجامعة في الوقت الذي كانت فيه الأعمال المخلة بالأمن في أوجِ عظمتها- هناك اصطلاح
آخر لقوات الأمن - وعندها أيضاً استقبلونا بنظ ا رتِ الشك والريبةِ، وقد وافق محاضرون وطلاب على إج ا رءِ
حديث معهم، ولكنهم وضعوا أمامنا عقبات، باشت ا رطهم عدم ذكر أسمائهم، وعدم نشر صور لهم، وقد وافقنا على
شروطهم من أجلِ أن نقف على ما يعتمل في نفوسهم من أفكار. ولما كان القارئ الإس ا رئيلي لا يتقبل أي مقال
دون ذكر الاسم أو الصورة، لم نقم بنشرِ هذا المقال.
هذه الم رة سمعتُ اسطوانةً جديدة في جامعةِ النجاح "نحن مستعدون لإج ا رء حوار وان تنشروا مقاطع من حديثنا،
وان تُؤخذ لنا صور، وان نمد أيدينا للسلام، ويعنون بذلك أنهم يتنازلون عن رمينا في البحر".
صائب عريقات المتحدث باسم الجامعة، متزوجٌ وله طفلتان، وهو من مواليد القدس وسكانها، يسافر يومياً للعملِ
في نابلس، وهو يعمل منذ سنة في وظيفةِ المتحدث باسم الجامعة وهو رجل عصامي.
يقول عريقات: "منذ أن وصلتُ إلى هنا، فُتحت أبواب الجامعة أمام الجميع، وقد ا زرنا العديد من الضيوف
اليهود، إذ أننا نرحبُ بالجميع".
في الحرم الجامعي، لم أشعر بهذا الوضع الذي صُوِرَ لنا، أ ريتُ الطالبات المحجبات يتجولن في ساحةِ الجامعةِ
إلى جانب العديد من الطالبات يلبسن بنطال الجينز، وطلاب يلبسون الكوفيات يسيرون في الساحةِ يطالعون
كتبهم، والى جانبهم طلاب يلبسون البدل الرسمية وربطات العنق، ويحملون حقائبَ "الجيمس بوند"، القديم إلى
جانب الحديث، المحافظ إلى جانب المتجدد، والقاسم المشترك بينهم جميع اً هو نظرتهم إلينا نظرة الشك وكأنهم
يقولون:"من هم هذان الواقفان في الساحةِ؟"، وأحد الطلبة لم يكتفِ بالنظر إلينا، وبادرنا، مقدماً نفسه بلغةٍ عبريةٍ
سليمةٍ، "أنا طالب علوم سياسية"، أين تعلم هذا الطالب اللغة العبرية؟؟، في السجن؟؟ غير مهم. "ومن انتم؟"
سأل الطالب "صحفيون؟؟ ومن أي صحيفة؟".
وقد أنقذنا من هذه الأسئلة، مبعوث من قبل متحدث الجامعة، حيث اقتادنا لمقابلةِ المحاضرين المهددين بالطرد،
وقد صعدنا إلى الطابق ال ا ربع، وفي الطريق تذكرتُ للمرةِ الثانيةِ المحاضر الذي قُذفَ من الطابقِ الثالث، وعملا بالآداب المرعية فقد سرتُ و ا رء م ا رفقنا، "و ل دواعٍ أمنية".
وفي غرفةٍ واسعةٍ كان بانتظارنا كل من د. محمد شديد، د. كمال رشيد، وسكرتير ة بابتسامةٍ واسعةٍ على وجهها،
قدمَ لنا القهوة شابٌ صغير، هذا ما سبق وقلنا: الحديث إلى جانب القديم.
د. محمد شديد غريب في وطنه:
د. محمد شديد يبلغ من العمر 38 سنة، شعره أسود، له شاربان، يتكلم الإنجليزية بطلاقةٍ، ومن خلال حديثه
تشعر بعدم إجادته للعربيةِ، فمنذ حداثة سنه سكن الولايات المتحدة الأمريكية، وهو من مواليد إحدى القرى القريبة
من الخليل، ويحمل الجنسية الأمريكية، "هذه الجنسية الوحيدة لي"، يقولها بم ا رر ة.
وأنا اعتقد في ق ا رره نفسي بان الكثير من الإس ا رئيليين مستعدون لش ا رءِ هذه الجنسية بالمال الكثير، ولكني بادرته
السؤال: "كيف وصلت إلى جامعةِ النجاح؟".
"في إحدى زيا ا رت حكمت المصري رئيس مجلس الأمناء لواشنطن، فاوضني، حيثُ كنت اعمل هناك في
الجامعة، وحدثني عن حاجةِ الجامعة في نابلس لمحاضرين مثلي" وأضاف د. شديد: "لقد فهمتُ بان لشبابِ
الضفةِ الغربيةِ مشاكل د ا رسية كثيرة في الخارج، وأهمها الناحية المالية، وقد تعاطفتُ معهم وتأثرت كثي ا رً بوضعهم
لأنني مررتُ بظروفٍ مشابهةٍ، حيثُ درستُ نها ا رً وليلاً، وقد عرفتُ مدى أهمية التعليم وضرورته للفق ا رء. أما
بالنسبةِ للأغنياء فان أهميته تقل، وعندها قال لي حكمت المصري: "لدينا البنايات والمال والمختب ا رت، ولكن
ينقصنا المحاضرون الجيدون".
وقصة د. كمال رشيد- البالغ من العمرِ خمسة وثلاثين عام اً- تشبه إلى حدٍ ما قصة سابقه. ولد د. رشيد في
قريةِ أماتين قرب مدينة نابلس وهو أيضاً ابن لعائلةِ فلاحين، كانت قد هاجرت إلى كندا عندما كان صبي اً. تعلّم
وتثقف وارتقى في السلم الأكاديمي كفيزيائي. "لم أعرف الكثير عن الضفةِ الغربيةِ " وأضاف: "قابلتُ بالصدفةِ
طالباً من جامعةِ بير زيت، وحدثني كثي ا رً عن الجامعةِ، فجذب انتباهي وكتبتُ لهم، لكنهم لم يردوا الجواب، بل
اتصلوا بي هاتفياً، وطلبوا مني الحضور حالاً لأنهم محتاجين - وبشكل ماس- إلى فيزيائيين، وأضافوا يقولون:"
لا يوجد لدينا فيزيائيون في الضفةِ الغربيةِ "، لهذا قدمت، وشعرت وتعاطفت مع الناس هنا، وأقمتُ قسماً للفيزياء
بمجهودي الشخصي، لم أرغب في أن يجابه غيري نفس مشاكلي، اليوم يوجد فيزيائيون في الضفةِ الغربيةِ اثنان
منهم يحملان شهادة الدكتو ا ره، وأحد هذين الدكتورين حصل عليها بامتياز من الجامعةِ العبريةِ . هناك العديدين
يتركون الضفة الغربية بعد أن ينه وا تعليمهم، ويسافرون إلى الولاياتِ المتحدةِ للد ا رسةِ هناك، ومن ثم يذهبون إلى
دول الخليج للعمل.
وقبل سنتين انتقل د. رشيد إلى جامعة النجاح في نابلس ويدعي كل من د. شديد و د. رشيد بأنهما يجابهان
مشكلة متشابهة، فالدكتور شديد له طفل يبلغ من العمر خمسة أشهر، وللدكتور كمال رشيد طفلة لها من العمرِ
ثمانية أشهر، ومشكلة هذين الطفلين ستبدأ بعد" ست عشر سنة"، وعندها سيجب ا رن لطلب تصاريح خاصة من
السُلطاتِ الإس ا رئيليةِ لابنيهما، حتى يستطيعان البقاء في الضفةِ الغربيةِ، وهنا سألتُ : من يدري ماذا سيحدث بعد
ست عشرة سنة؟؟ أجابوني:" نحن نأمل بأن تحل الأمور خلال هذه الفترة، ولكننا سنعيش خلالها تحت الاحتلال.
ويضيف كاتب المقال: ماذا تساوي ست عشر سنة في عمرِ التاريخ؟
هم: "هذا صحيح، ثوانٍ ... ليس أكثر من ثوانٍ ..."، ويبدو لي أن لديهم الرغبة لمعرفةِ آ ا رئي السياسية رغم
محاولتي إخفائها، إلا أن شكوكهم وتخوفهم من ميولي السياسية كانت تظهرُ على وجوههم.
يوجد هنا جواسيس:
وقد قالوا: "حضورنا للجامعةِ مسموح به، ولكن يُحظرُ علينا التعليم".
سألتهم: "إني أعرف بأن رجال الحكم لا تطأ أرجلهم أرض الجامعة، فكيف بإمكانهم أن يعلموا إذا كنتم
تُحاضرون أم لا؟".
وهنا ضحك الحضور، وقالوا: "يوجد لهم جواسيس هنا، وفي كلِ مكان يوجد لهم مُخبرون، فالطلاب في الخارج
مثلاً يعتقدون بأنكم من المخاب ا رت، وهم لا يصدقون بأنكم صحفيون".
ومن هنا يظهر لنا لماذا طُلب من المصورِ - وبأدب - أن لا يصور لوحده.
"لي ا رفقك أحدهم، وعندها فقط صَور"، قالها صائب عريقات وأضاف "لا تصور لوحدك كي لا تحدث مشاكل" وهو
بهذا يحذر. إن الحوادث التي أدت إلى التوتر الحالي في جامعاتِ الضفةِ معروفة، ولهذا نصنفها باختصار،
وبمساعدةِ د. شديد الذي سمعتم قصة الت ا زمه:
" في شهرِ آب دُعينا إلى الإدارة المدنية، وطلب منا التوقيع على تعهد" ويضيف "ففي كلِ سنةٍ علينا أن نجدد
تصاريح عملنا، ولكنهم في هذه المرة أبرزوا لنا التعهد الذي كان مكتوباً بالعبرية والعربية، ولغتي العربية كما
تعرفون غير سليمة - فق أ رته ببطء وقلت لهم بأن هذا التعهد بمثابةِ إعلان سياسي ولن أوقّع عليه، معظم زملائي
لم يوقعوا، وهناك أحد المحاضرين من الأرجنتين، وآخر من بلجيكا، وقعّا لأنهما لم يفهما مضمون التعهد، ولكن
عندما علما على ماذا وقعّا، وشع ا ر بأنهما قد خدعا، عادا إلى بلادهما".
أعتقد بأنهما أُجب ا ر على المغادرةِ وذلك بالضغط من زملائهما، وحرصاً مني على أن لا أسيء إلى أحد، ولكي لا
أُعكر الجو، سأحتفظ بما في قلبي، ولكن جرثومة الشك قد عدتني كما ترون وغيوم الشك تغطي سماء نابلس،
وهذا وضعٌ يجعلك تشك مثلهم.
الموظف من الإدارة المدنية سأل دكتور شديد: هل أنت تؤيد منظمة التحرير الفلسطينية؟، فأجابه: ليست هذه
هي القضية، إنني أعملُ هنا محاضر، وأنا استؤجرت لهذه الغاية، حتى وٕان أرغموني على التوقيع- بأنني أؤيد
منظمة التحرير الفلسطينية -، فإنني لن أوقع، أنا لا ارغب بالتدخل في السياسة.
في الصيف سافر د. شديد لقضاء العطلة في الولايات المتحدة، وعند عودته طُلِبَ للإدارةِ المدنيةِ ثانيةً، وقد قال
له الموظف: "في كانون ثاني، ينتهي تصريح إقامتك وعندها ستضطر لترك البلاد إذا لم توقع"، وفي هذه
اللحظات تخيل د. شديد صورة زوجته ووظيفتها الجيدة في مستشفى نابلس، كما وتذكر ابنه الذي لا هوية له،
ووالدته في قريةٍ قرب الخليل، انه لا يريد ترك نابلس، "إذ لم توقع، فسيتوقف عملك في الجامعةِ إلى الأبدِ ".
وهو يجلس في بيته، ويذهب إلى مكتبةِ الجامعةِ، ولكنه لا يجرؤ على دخول الصف. يوجد المخبرين، ويكرر
قوله هذا من خلالِ نظ ا رت الشك، أي أنني ألعنُ نفسي لأنني لم أستطع معرفة ما سيحدث في المستقبل، أضاف
الكاتب، ولأنني لبستُ المعطف البني والنظا ا رت الفاتحة، وسيارة الاسكورت البيضاء التي حصلتُ عليها من
صحيفةِ معاريف، وعلى المصور القوي الذي اخترته، ولكني في المقابل لو حضرتُ بدون كل هذه الأشياء لشكوا
بأنني من رجالِ المخاب ا رت، وكنتُ أحاول أن ألطف الجوي بنكاتٍ، وفي هذه الأثناء دخل شابٌ صغير القهوة،
ومع ذلك بقي الجو مُكهرب اً.
حل بلا عنف:
أما د. رشيد، فله قصة مماثلة، ويعبر عن شعوره بقوله: كنتُ خائفاً، قالها بص ا رحةٍ في الماضي، عندما
استدعوني شعرتُ بعدم الاطمئنان، ولكني كنتُ خائفاً هذه المرة، لأنهم عنيدين في الحكمِ العسكري، إنهم
يضربون الطلاب، ويشكون في كل واحدٍ .
د. محمد شديد: أنا لم أخف، ولكني شعرتُ بوضع أنا فيه عاجزٌ عن معرفة ما سيحدث لي في المستقبلِ .
د. رشيد يُضيف: قلتُ للموظف: لي هنا زوجة وطفلة، فكيف بإمكاني أن أُ ا رهن!
فأجاب الموظف: اسمك سيكون مسجلاً على جميع الحدود، فإذا لم توقع، فإنك لن تستطيع العودة إلى البلاد.
هذا مؤلم جداً، حتى أن عمتي هددت بالانتحار إذا طُردت من البلاد.
أربعة وعشرون محاض ا رً من ذوي الجنسيات الغربية، يعملون في جامعة النجاح، واحد وعشرون منهم غادروا،
وثلاثة ينتظرون، وهم د. رشيد، د. شديد، د. والتر لين - الكندي الجنسية - رئيس قسم اللغة الإنجليزية، أنا أُريد
مقابلته، وأود أن أطلعَ على ما يفتش عنه أكاديمي بدرجة كبيرة كهذه، في هذه القرية الكبيرة المسماة نابلس،
وفي جامعةٍ ناشئةٍ كجامعةِ النجاح.
وعندما سارعوا في الذهابِ لاستدعاء د. والتر لين، وريثما يحضر د. لين يحاول د. شديد أن يفهم لماذا ظهر
هذا التعهد فجأةً، هل ينقصنا هذا؟، ويضيف: إن السُلطات تستطيع أن ترد على كل إرهاب وتردعه بدون كتابةِ
مثل هذه التعهدات، ولكنهم يريدون التحكم بالجامعةِ وبكل بساطةٍ، ومن ثم إضعافها، إنهم لا يريدون السلام، إن
كل ما يريدونه مواطنون بدائيون دون ثقافة، وهذا سيُسهل حكمهم.
في هذه الأثناء يصل د. والتر لين الكندي الجنسية، يبلغ من العمر 56 عاماً، أعزب، وصل إلى نابلس من
تورنتو، وهو معروف لدى المواطنين المسلمين، وقد عمل قبل ذلك في شركةِ نفطٍ أمريكية في السعودية، عملتُ
مع كثير من الفلسطينيين، وهكذا عرفتهم وعرفتُ قصصهم الفلسطينية، وبدأتُ أُفكر بها ويضيف: ق أ رت الكثير
عنها بعد ذلك، وأسستُ مرك ا زً يحمل اسم (الشرق الأوسط) في جامعةِ تكساس وبعد ذلك عملتُ في الجامعةِ
الأردنيةِ، وهناك قا بلني رئيس جامعة النجاح، وطلب مني أن أنتظم، وهكذا وافقتُ، ووصلت إلى هنا قبل حوالي
سنة.
استقبلوني بحفاوةٍ، يضيف د. لين الكندي: في نابلسِ المسلمةِ، إن نابلس قرية كبيرة، هل تشعر بذلك!، ويضيف
مبتسم اً: عندما يحضر غريب إلى المدينةِ يتعرفون عليه حالا . كلهم يتعقبونني، لأنني قمتُ بعملٍ جيد في
الجامعةِ، عندما أنشئتُ قسماً جيداً للغةِ الإنجليزيةِ، بعدها بد ؤوا يعاملونني بحفاوةٍ كبير ة.
يحاول د. شديد أن يخفف من تواضع د. لين فيقول: بإمكاني أن أقول لك بان د. لين مرغوبٌ فيه جداً في
نابلسِ، حتى إن بائع الج ا رئد في المدينةِ، يبعثُ إليه بجريدةِ جروزليم بوست كل صباح إنهم يحبونه.
وفي أعماقي أعتقد بأن الأعزب فقط هو الذي يستطيع أن يسقط فجأةً في هذه المدينة الجميلة، التي يحتضنها
جبلي جرزيم وعيبال. أي ام أ رة كندية توافق أن تسقط فجأةً في هذا الموقع الضيق، الذي ينقصه الثقافة، المسرح،
والخالي من قاعات سينما مناسبة؟
وبصوتٍ عالٍ سألت د. لين: "ألا تشعر بش وقٍ إلى الثقافةِ الغربيةِ؟". "إنها لا تنقضي حتى في كندا"، وأضاف د.
لين مبتسماً، "في منت، فإنني منشغل ليلاً نها ا رً في عملي الأكاديمي". لم يتدخل د. لين بالسياسةِ في حياته، لذا
فهو يقول: "من أجلِ هذا رفضت أن أوقع على وثيقةِ التعهد، التي هي بحد ذاتها وثيقة سياسية، ولقد رفضت أن
أكون أداة سياسية بأيديهم"، وقد سألته (الصحفي): "بيدِ منْ "؟
"بأيدي حكومة إس ا رئيل وبواسطة مؤسساتها هنا" أجاب د. لين.
"ما هو شعورك عندما تُطرد؟" سأل الصحفي.
أجاب د. لين: "هذا لا يهمني، لأنني لم أفعل شيئاً، فهذا عمل بحد ذاته غير جيد".
سؤال: "وأنت هل أُهنت؟"
جواب: "لا"، إنني لا استعمل مثل هذه الكلمات، ولكن يوجد لهذا العمل تأثير سيء على الجامعةِ، وعمل كهذا
يثير عندي التساؤلات عن أهداف حكومة إس ا رئيل تجاه هذه المنطقة".
ويضيف الصحفي:"أردتُ أن يفتح لي قلبه فسألته":
سؤال: هل تعتقد كما يعتقد زملاؤك، بأن حكومة إس ا رئيل لا ترغب بالأكاديميين الفلسطينيين؟
جواب:"نعم، إنني مقتنع اليوم، بان حكومة إس ا رئيل لا ترغب في حل قضية الشرق الأوسط، إنها غير مهتمة ولا
معنية بأن يكون في الضفةِ مؤسسات مستقلة، وهي تُشيع هنا اليوم إشاعات سلبية عن حكومةِ إس ا رئيل، وعن
سياستها، وكنت لا أعرف في السابق شيئاً كهذا، وٕانني أعرف الكثيرين في الجامعةِ العبرية، أنهم أُناس
محترمون، وأنا كآخرين في العالم أُميز بين حكومة إس ا رئيل وشعبُها".
سؤال: "وماذا بخصوص الاستفتاءات؟"
جواب:"نعم، نعم، إنني أعرف حسب الاستفتاءات انه لا يوجد أي أمل بان تسقط حكومة بيغن في القريب".
د. شديد يواسي المحاضر الكندي الجالس في نابلس، الواقعة في جبال السمرة، ويتحدث عن حكومة بيغن قائلا :
"خذ مثلاً الولايات المتحدة الأمريكية، وحرب فيتنام، وأضاف "سياسة الحكومة تغيرت هناك في أعقاب التغير
الذي حل في ال أ ري العام، وهذا ما سيحدث هنا، إنني واثق من ذلك".
ويجيب د. لين معارض اً: "لا، لا، هذا لن يحدث في المستقبل القريب"، "انه محزن حقاً ما يحدث هنا، الشك
يت ا زيد وكذلك عدم الثقة، أنني انظر إلى الأطفال الصغار في الشارع، واستغرب كيف سيكون مصيرهم بعد خمسة
عشرة سنة!!"
"إنني أتذكر طفلي د. شديد و د. رشيد اللذين لا يحملون هويات واللذين سيقرر مصيرهما بعد ست عشرة سنة،
ويضيف قائلا : "ماذا سيحدث؟؟"
ويهز د. لين أ رسه بأسفٍ قائلا : "في هذه المنطقة، من الأفضل لك أن تكون مؤرخاً من أن تكون نبي اً".
الصحافة هي العدو:
دخل إلى الغرفة موسى الجيوسي، أحد أعضاء مجلس الأمناء، وهو يعمل محامياً، مؤدب في حديثه، وهذا ما
يبرهن لكم بأن المعلومات التي تصلكم عن الجامعة ورجالها غير صحيحة، والمحامي الجيوسي أكبر إثبات على
أن الثقافة والاعتدال لا يسي ا رن جنباً إلى جنب.
وعندما كنت احتسي قهوتي، سألت المحاضرين عن أ ريهم في ردة الفعل المعتدلة من قبل الطلاب، بخصوص
وثيقة التعهد. "في الماضي"، قلت لهم: "صعد طلاب ملثمون إلى السطح من أجل أحداث أقل أهمية من عملية
طرد محاضريهم".
قال د. شديد: "إنهم مظلمون، ولا ا زلوا يأملون ب وجود حل بدون تظاه ا رت وبدون عنف. رد على ذلك، فإن الإدارة
قد طلبت إليهم أن يتحل وا بالصبر والانتظار". د. لين: "الطلبة خائفون من الاضط ا رر إلى مجابهة قوية، والتي
سيكون بدايتها من جانب السلطات". الصحافي :"من المعروف عن الجامعة بأنها مصدر عنف، هكذا يقولون
وهي مركز لمنظمة التحرير، وبمثابة مركز وطني عنيف". د. رشيد: "هذا ببساطة غير صحيح، أنتم خلقتم هذه
الصورة، إنكم كصحفيين معنيون دائماً في الجانب السياسي للجامعة، ولم تزوروا الجامعة لتطلعوا على الصفوف
والمختب ا رت والطلبة".
الك ا رهية المشتركة للصحافة هي القاسم المشترك الأعظم بين حكومة الليكود ومحاضرين مطرودين من الضفة
الغربية. ولكن في النهاية ستنكشف الأمور. الصحافة هي المذنبة في نظر جامعة النجاح. إنهم يرون بأنه يجب
عليّ أن أسرع إلى الهاتف وان ابشر المتحدث باسم الحكومة بوجود أساس للتفاهم مع الفلسطينيين هنا. ويضيف
د. شديد:" إننا لا ندخل إلى الصفوف للتحدث عن منظمة التحرير أو عن الليكود (التكتل)، أو عن الأم تري ا ز،
هذا واقع غير صحيح".
المحامي الجيوسي:" يوجد اضط ا ربات في جامعات إس ا رئيل أيض اً ولكن لم يحدث وٕ ان عاملهم كمركزٍ شيوعيٍ أو
كمركزٍ للتكتل، ولكن المعاملة هنا ي ا رد بها أهداف معينة. حسب أ ريي فإن حكومة إس ا رئيل تريد أن تقضي على
هذه الجامعة، "ليس الجامعة فحسب بل المدينة كلها". ويضيف الجيوسي قائلا :" هل أ ريت الشوارع المغطاة
بالمياه والممل ؤة بالحفر؟؟"
إن الجيوسي رجل مثقف، ولكن ليس هذا كل شيء، وسنسمع منه عمن هاجم الكنيس اليهودي في روما، ومن
ساعد النازيين في أعمالهم ولكن قبل أن أصل إلى هذا، أعود وأسأله كعضو في مجلس الأمناء، هل صحيح بأن
منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمول الجامعة؟
"نحن لا نتسلم الأموال من منظمة التح رير الفلسطينية"؛ يقولها جازماً؛ "نحن نأخذ الأموال من الفلسطينيين
الأغنياء في الخارج، الفلسطينيون تحولوا إلى يهود العرب، تمثل اليهود هناك فلسطينيين أغنياء في كل العالم.
لنا 110 مليوني ا رً في السعودية، لقد أخذنا أموالا لبناء كلية الهندسة، ولكن الحكم العسكري لم يصادق لنا على
البناء. هناك الأموال، الخ ا رئط، حتى مواد البناء، ولكن ينقصنا الإذن، فلا تصريح لنا. إن إس ا رئيل لا تريد أن
يك ون هناك جامعيون، لقد ق أ رت هذا في كتاب مئير كهانا "على العرب أن يرحلوا" حقيقة، هذا ما ق أ رته. "لا، لم
أق أ ر"، قال الصحافي: "لا تأخذ أقوال كهانا بجدية". "لم لا، انه يقصد ذلك" قال الجيوسي.
أخ المتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية:
لم انته من إجابتي وٕ اذ بثلاثة طلاب يدخلون لغرفة المتحدث الممتاز -هو الذي رتب ذلك: محاض ا رن عربيان،
محاضرٌ مسيحيٌ من كندا، عضو في مجلس الأمناء، وثلاثة طلاب- أثناء حديثي معهم، كان المصور يتجول
في الجامعة مع م ا رفق دائم، وفي السيارة قص لي عن جو التعليم الجدي، عن الطالبات المحجبةِ وجوههن،
واللواتي يدرسن في قسم الحاسبات الالكترونية، عن الكافتيريا التي يبيعون فيها الفلافل.
دائماً كنت أقول بأن وظيفة المصور الصحافي هي أحسن بكثير من الصحافي لأنه يتجول، ويصور، ويأكل،
وأنا علي الجلوس هناك مع زياد اللبدي، زياد مشهور، وعدنان الضميري، وثلاثتهم طلبة. قلت للبدي: "أن اسمك
معروف لدي"، فأجابني بجدية كبيرة: "نعم أنا أخ محمود اللبدي المتحدث باسم م. ت. ف يقولها بلغة عبرية
سليمة. "وأنت هل تعلمت اللغة العبرية في السجن؟"، وأضفت مازحا: "إنني أعرف بأنكم تتعلمون العبرية في
السجن فقط".
"نعم" أجابني اللبدي جاد اً "مكثت في السجن أربع سنوات لأنني قمت بعملٍ معادٍ ".
وأيضاً عدنان ضميري يتقن اللغة العبرية، قال: "نعم ست سنوات في السجن"، والوحيد الذي لا يتقن العبرية هو
زياد مشهور، لأنه لم يدخل السجن بعد.
انه لمن المضحك أن يكون رجال المنظمات الذين يسجنون هم فقط الذين يتقنون العبرية. ويجيب اللبدي بشكل
جاد "إنني لست من رجال م. ت. ف، والسجن ليس شيئاً مضحك اً، وقد قلت للذي حقق معي، بأنه لو ضُ ربَ تلك
الضربات التي ضُ ربتها، لكان قد اعترف بأنه من رجال م. ت. ف".
إنني أعلم بأن الروح المرحة، التي يمكن استعمالها في تل أبيب، لا تجد لها رواجا في نابلس.
"هل تؤيدون نضال محاضريكم؟؟" سألت الطلاب.
أجاب اللبدي: "نعم، إنني أعارض الوثيقة الجديدة، إنها تتعارض مع الحرية الأكاديمية. نحن الطلبة بحاجة
لأستذتنا، والى ثقافة عالمية، إننا نتوجه الآن لل أ ري العام، ولكن من يؤمن بالحرية الأكاديمية لمساعدتنا على
التعلم بهدوء.
زياد مشهور: "هذا ما يضعف مؤسستنا، فهذا التعهد يضرُ بالمستوى الأكاديمي، لذا نحتج عليه، وحديثي معك
اليوم هو الطريق الوحيد الذي نتمكن من عمله".
عدنان ضميري: "محاضرونا لم يفعلوا ما يستوجب الطرد، كل ذنبهم أنهم يحبون طلبتهم، لكن الحكومة تريد
إخضاع الجامعة، أنت تعرف أنه في عام 1925 ، عندما أقيمت الجامعة العبرية في القدس قال حاييم وايزمن:
"اليوم أقيمت دولة إس ا رئيل"، وعندما قامت جامعة النجاح عام 1977 قلت: "قامت الدولة الفلسطينية".
زياد اللبدي يحاول أن يغير الحديث فيقول: "نحن نريد العيش بسلام في دولة مستقلة، لجانب دولة إس ا رئيل ولا
نريد أن نرمي اليهود في البحر. إن اليهود هم الذين يريدون أن يرمونا في الصح ا رء".
الصحافي:" كيف يتسنى للسلطات التأكد بأنه لا يوجد هنا أي تنظيم ضد أمن الدولة؟". المحامي الجيوسي: "هذه
مشكلتهم وليست مشكلتنا، أنا لست برجل مخاب ا رت إس ا رئيلي، إن حكومة إس ا رئيل تريدنا وببساطة أن نرحل عن
المنطقة".
الصحافي: "أنت الذي يقول هذا يا سيد جيوسي، إني قدمت إلى هنا للتحدث عن الجامعة، وٕاذا أردت أن تذكر
هذه الادعاءات فاني أسألك سؤالا: "هل تؤيد م. ت. ف التي هاجمت الكنيس؟ حسب معلوماتي فان
الاستخبا ا رت هي التي هاجمته، وهذا ليس بالجديد عليه، وقد ق أ رت من وقت قريب، بأن الوكالة اليهودية تعاونت
مع النازيين".
الصحافي: "هذا جيد سيد جيوسي، ولكن هل بإمكانك أن تغير مصدر معلوماتك".
زياد اللبدي يعيدنا لموضوعنا قائلا: "نحن لسنا بإرهابيين ولا نؤيد الإرهاب، ونسر باستضافة أي إس ا رئيلي عنده
استعداد لأن يتكلم معنا، حتى ولو كان من رجال تكتل الليكود، أو حتى لو كانت جيؤلا كوهن.
هذا ما وعدتكم به، نغمات جديدة في جامعة النجاح في نابلس، لأن جامعة النجاح هذه تعبت من مثل هذه
الاضط ا ربات، لكن وللأسف فان الإدارة المدنية تحاول أن تثير هذه الاضط ا ربات من سباتها، وهي توافق على
هذا، وما ا زلت تصر بأنه على المحاضرين أن يوقعوا على التعهد". أن لا يؤيدوا منظمة التحرير الفلسطينية، أو
أية منظمة معادية أخرى" وقد أخفوا هذا النص في أو ا رقهم وأضافوها إلى تصريح العمل.
في البداية كان ذلك "منظمة إرهابية" ولكن بق ا رر من محكمة العدل، التي تدخلت بطلب من ابنة بسام الشكعة،
فأقرت المحكمة بأنها "منظمة معادية"، وليست "منظمة إرهابية".
"إنكم لا تقولون الصدق" أقولها لرجال الإدارة المدنية ولكن ما من مجيب. إنني أسأل، عن البند 854 ، هؤلاء
الذين لا يعرفون بأن هذا البند جاء ليوسع قانون رقم 16 الأردني، هذا القانون الذي يلتزم بالم ا رقبة على المدارس
الثانوية في المناطق المحتلة، ولما كانت الجامعات في الضفة الغربية وقطاع غزة قد أقيمت في السنوات الأخيرة.
"أثناء الحكم الأردني، لم يكن هناك جامعات في الضفة الغربية"، ظهر البند 854 للحكم العسكري، والذي يوسع
الم ا رقبة على الجامعات. هؤلاء قد أقاموا الصيحات، بأن هذا يؤثر على الحرية الأكاديمية، وقد جمد القانون، وفي
الأيام الأخيرة جُمد القانون لسنة أخرى، وهذا يعني بأنه لا يوجد م ا رقبة على ما يدور في جامعات الضفة الغربية
وقطاع غزة، وهناك يفعلون ما يحلو لهم من الناحية الأكاديمية والمالية.
لماذا هذا الضحك؟؟
إذا كانت هناك م ا رقبة على الكتب، فهناك العديد من الكتب تنتظر على جسور الأردن، تحت أمل السماح لها
بالدخول إلى جامعات الضفة الغربية، وهنا أيضا قصة أخرى "قبل خمس سنوات يقول رجال الإدارة المدنية، بأنه
جاء رجل من الاحتياط ليرتب قائمة للكتب الممنوعة، لينشرها في الضفة، فخلط وضم للقائمة كتب اً مسموح اً بها
مع الكتب الممنوعة، وقد أخرج ذلك بموجب أمر، وٕ الى أن انتهت الإدارة المدنية وأخرجت أم ا رً آخر معدل، كانت
ضجة عالية.
سأل الصحافي: "لماذا لا يسمحون لجامعة النجاح بإقامة كلية للهندسة؟".
أجاب مصدر موثوق به: "أن المكان المخصص لبناء كلية الهندسة، يقع في منطقة أمنية".
هناك أربع جامعات تعمل في الضفة: الجامعة الإسلامية في الخليل وبها 1600 طالب، وجامعة بيت لحم وبها
1200 طالب، وجامعة بير زيت بها 2000 طالب، وجامعة النجاح وبها 3200 طالب، ومجموع الطلاب جميعا
8000 طالب، وهناك مئة وعشرون محاض ا رً يحملون جنسياتٍ أجنبية، على كل هذا تقوم الضجة، ومن أجل هذا
يغضب جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكية.
إنهم يقولون بأن إس ا رئيل تريد عمالا، ولا تريد أكاديميين، أنا أقول ذلك لرجال الإدارة المدنية، وهذا ما يقوله رجال
الجامعة. ومع ذلك فان الجامعات لم تقم في الضفة الغربية وقطاع غزة إلا تحت الحكم الإس ا رئيلي.
لماذا لا يبرزون هذه الحقيقة، إذن أريد أن أصرخ: لماذا طرح البند 854 ؟ هل تخافون من سريانه؟ لماذا لا يوجد
لكم م ا رقبة على الجامعات، ومع ذلك تصمم ون على توقيع تعهدات رسمية؟ جواب: "لماذا نعمل من الإدارة
المدنية أضحوكة؟؟".
.1972\12\ عن صحيفة معاريف بتاريخ 13
* إحدى الجمل المأثورة عن دفيد بن جريون، رئيس أول حكومة لإس ا رئيل "علينا أن نعمل دائما بأن يكون عرب
إس ا رئيل حطابين" .